آه يا مريم .....  

Posted by shaimaa haseeb in



آه يا مريم .....
لما تأخرت ؟ .. لم أعد أحتمل.. ...
تغير كل شئ لمجرد غيابك ..
النهار الذي كان يستقبلنا دوماً باسماً رافعاً قبعته البيضاء لنا
يحتضر الآن يوميا عند شرفتي ..
الشوارع التي طالما فتحت صدرها الواسع لنا نخبئ الأحلام فيه
لماذا أصبحت- حين تراني وحيداً- تعطيني ظهرها ؟ ثم تركلني خارجها .. تقول أمي حين اخبرها عنك " ياعينى ع اللي حب ولا .." حينها يضحك أبى ساخراً , يضحك أخوتي .. تتسع أفواههم وعيونهم بالضحك .. تتسع .. تحاصرني
كنت أهرب لك يا مريم .. أنت الوحيدة التي تخبئني بين ضفائرها الطويلة حين يلفظني الآخرون .. إذن لمن أهرب الآن
لن يكفيهم أنني أعيش معهم كظل خلفهم أسير ودوماً تدوسني أقدامهم سيستأصلون كثيراً من حلمي وربما يستأصلونه كله .. كي أصبح عاديا مثلهم .. أنت فقط تريدننى غير عادى
أنت فقط تسمعين مثلي على الحجار .. تسرحين حين اقرأ عليك صلاح عبد الصبور .. تتابعي مسرحياتي تتقدمين الصفوف .. تصفقين بشدة عند رؤيتي .. تخطفني عيناك من الجمهور .. ثم نمضى معاً
ألن تأتى إذن لتهرب روحي معك ؟
أبى مات الزمن تحت قدميه فصار لا يفعل شيئاً إلا أن يفتل شاربه زاعقا فىّ بسبب وبدون .. أمي تطالبني ليل نهار أن أفلح مثل أخي الأكبر – هذا الساخر دوماً منى ومن شرودي الدائم –
هم يعلمون أنني لم أرغب في دراسة الحقوق ويصرون على أن أصبح محاما كبيراً مثله
هكذا أجد نفسي وحيداً .. وسط أخوة من الأشباح يضحكون حين يضحك أبى .. يصمتون عندما يصمت .. ولا أراهم إلا عندما تتكدس أجسادنا على السرير / القبر ليلاً
حتى الأصدقاء لا أجدهم .. يفرون منى ومن كأبتى التي أفرضها عليهم .. لم أجد غير كلاب الشارع التي ألفتني وصارت تستقبلني كل يوم .. تشاركني أوجاعي وألامى
حتى أتى يوم ملّت فيه سماعي فانصرفت من حولي
أجد نفسي ثانية وحيداً وهذا الليل الواقف من حولي أكرهه .. يتربص بي .. ينتظر خطوتي تجاهه كي يبتلعني .. يشبه أخي الأكبر وهو يمد يده لي .. " روبه الأسود " يتطاير خلفه .. أظافره تستطيل .. تستطيل
فأهرب لليلك أنت يا مريم
حين نجلس في " شجرة الدر " نحلم .. يكون النهار قد تسلل برفق كي لا يفسد علينا نشوتنا .. تبتسمين
- عايزة القمر
أرفعك على راحتي حتى تصلين له .. تقطفين بعضا منه ونترك لغيرنا بعضه .. نغنى سويا
" عارفه .. مش عارف ليه بتونس بيكى.. وكأنك من دمى "
تقبلين أناملي .. تخمدين جراحي في صدرك الدافئ .. لا نهتم بمشهد الأشجار وقد أحنت رأسها خجلا وتمنت لو انشقت الأرض وبلعتها .. أحبك .. احبك .. تتلاحم أضلعنا .. لا تفترق إلا حينما يطردنا حارس الحديقة .. لم نهتم
رحنا نجرى وأمطار يناير تتضاحك معنا .. حتى لم أعد قادراً على تقبل مزاحها الثقيل فوق رأسي
" آه ما أسعدني
فلينهمر الشعر المعقود على خدي وعيني
ولأطلقه يغنى ويغنى
ولأطرد ظل الوسن النعسان عن جسمي المثقل بالأحلام
لكن سعادتنا لا تكمل إلا ... "2
حين يموت أبى ويأخذ لجامه معه سيصبح هذا العالم ملكي .. لن يأخذك شيئاً منى .. لكن أبى لا يرحل وأنت لا تحبين أن أدع عليه
لماذا؟ أنت لا تعلمين أبى حين يفتل سلك الكهرباء باعتناء – كما يفتل شاربه – لا تهزه صرخاتي ولا دمى .. ولا يستطيع الجيران إيقاف ركلاته على جسدي .. أنت لم تشاهديه وهو يحرق أصابعي بالنار كالأطفال .. كي أتوقف عن كتابة الشعر وقت المذاكرة والغناء في الحمام
أنت لم تصفعيني ولم تحرق أصابعي حين صارحتك بممارساتي السرية .. فقط قفز ذعر العالم كله في عينيك وأنت تسألينني لماذا؟
وأنا لا أعرف – يا مريم – لا أعرف صدقيننى .. ربما الكبت / الوحدة/ إكتئاب .. لا أعرف
لحظتها اختبئا ذعرك وتملكتك الدموع وأنت تعرضين على جسدك لو أن ذلك سيوقفني عن تلك الممارسات
أتذكرين .. لحظتها ضممتك إلى صدري بكيت وأنا أقسم لك أنني لن أفعلها ثانية من أجلك
هكذا أنت وهكذا هم
حتى عندما رآنا أبوك ويدانا متشابكة , لم أخف حين صفعك
لم أجر حين هددني . فقط طلبت منه يدك وكانت ملكي منذ لحظات
سبني وهو يجرك خلفه .. كان قلبي يجرني خلفه
جريت على أبى طلبت منه أن بخطبك لي .. عاد يستهزئ بي ومعه أخوتي .. هددتهم أنى سأترك البيت لهم .. لم يهتم أحد
- فارق لما الجوع يبقى يقرصك .. ابقي ارجع
كان معه حق يا مريم .. لم يقرصني الجوع فقط.. بل قرصني كل شئ
ذلك الشخص الذي خطفك منى فجأة في لحظة إحتياجى لك
قرصني الشارع الخالي منك إلا من بعض مارة لا يهتمون
أيها الناس .. مريم لم تعد تأتى .. لماذا تسيرون ولا تتوقفون
كان لزاماً علّى أن أرجع لأبى وأخوتي .. حيث تمضغنى أفواههم وتلقى بي كنكتة ماسخة
" وليل بعد ليل . ونجم بعد نجم اتحد ف
وأنا بغنى لكن لوحدى للأسف "
لم يبق إلا على الحجار .. يصر ألا يتركني وحيدا
وأنت لا تأتين إلا للحظات .. تختفين بعدها فجأة كما ظهرت
أمي لا تزال تزن في اذنى
أخوتي يتغامزون ..
" سايق عليكى الغنا .. يا صاحبة القلب البرئ .. محتاجلك "
الليل مازال متربصاً بي
أخي يتقدم تجاه قدماى المتسمرتين
أبى صار يفتل كل شئ بين يديه .. حتى أحلامي
ربما يشنقني بها بعد
آه يا مريم
" تتصوري رغم إننا شايفين طريقنا بينتهى
تتصوري لعمري هاقدر على الفراق
ولا انتى عمرك تقدري "

* * *

1 أغانى على الحجار
2 صلاح عبدالصبور

حسام حشيش

This entry was posted on الاثنين، 11 أكتوبر 2010 at 1:16 ص and is filed under . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

0 التعليقات

إرسال تعليق

قول للحجار كلمه